الأنثربولوجيا (ج1)

الأنثربولوجيا (ج1)

بالأنثربولوجيا تتداخل منظورات شتى للعلوم ” كالنظرة البيولوجية و الإجتماعية ” دارسة بذلك الإنسان من زاويته كعضو في المملكة الحيوانية و كذا بكونه عضوا في المجتمع ، و بهذا فإن الأنثربولوجية لا تنحصر اعماله بالحقب التاريخية فقط ، فإننا نجده مثلا يدرس التطور البنائي للبشرية و نمو الحضارات من أقدم أشكالها ، و في الحين ذاته نجده مهتما بالجماعات و الحضارات الإنسانية المعاصرة ، و بهذا فإنه يحاول قدرما استطاع في دراسته الأنثربولوجية أن يكشف لنا المعايير الفيزيقية التي تميز الجنس البشري عن باقي الكائنات الأخرى ، و تركز مثلا الدراسة المقارنة للحضارات إهتماما على أوجه الإختلاف و التشابه في الثقافات التي يمكن أن نراها ببداهة بين الجماعات البشرية التي تعمر كوكبنا و من بين النتائج لهذه الدراسات و هي أن الإنسان فريد و غاية في ذاته بوصفه كائنا عاقلا استطاع ان ينتقل من الكور الوحشي الى البربري الى الحضارة او تكوين العائلة ، و لهذا فمن بين الفروع الأساسية للأنثربولوجيا نجد : الأنثربولوجيا الإجتماعية و الثقافية

الأنثربولوجيا الإجتماعية

أول بروز و ظهور بديهي للأنثربولوجيا الإجتماعية ، كما يثفق مؤرخوا العلوم كان ببريطانيا في ظل التأثير القوي للنظرية الوظيفية ” رادكليف بروان و أتباعه” ، الذين ميزوا بين علم يهتم بدراسة البناء الإجتماعي و الوظيفة الإجتماعية ، ثم هناك ايضا فرع آخر يدرس الثقافة ماكرو ابستيميه فيزيائيا أي وصفيا ، معتمدا بذلك على التاريخ لوحده و هو الذي يعرف بالأنثربولوجيا الثقافية ، ثم نجد من زاوية اخرى : الأنثربولوجيا الفيزيقية التي أصبحت الآن تعرف بالأنثربولوجيا البيولوجية و التي تهتم بجسم الإنسان ، و لهذا فإذا ما عدنا إلى التعريفات الكلاسيكية للأنثربولوجيا الإجتماعية ، سنجد أن هناك التقاء سميك بينها و بين علم الإجتماع ، فمثلا كان ينظر للأنثربولوجيا الإجتماعية بأنها تدرس البناء الإجتماعي للمجتمع ، أي : انها تقف على العلاقات و التنظيمات و الجماعات ، و طبعا نحن نعلم ببداهة أن علم الإجتماع أقدم من الأنثربولوجيا ، فعلم الإجتماع كما يتفق مؤرخوا العلوم ، ابتدأ في القرن الثامن عشر مع أوغست كونت ، أما الأنثربولوجيا الإجتماعية فقد ظهرت بأواخر القرن التاسع عشر على أيدي ” مالينوفسكي” و خصوصا “رادكليف براون ” و بهذا فإن الأنثربولوجيا الإجتماعية لدى العديد من المؤرخين ، ظهرت ببداهة مع رادكليف براون و كما اتضح من خلال ما تم تداوله عن براون ، كان على استعداد تام لجعله فرعا من علم الإجتماع ، فكان يريد تسميته علم الإجتماع المقارن ، و لكن الآن بفعل التغير و تطور المجتمعات و غزو التكنلوجيا على القرى و المدن ، أصبح عالم الأنثربولوجيا بنفس المشكلات القيمية التي تداهم عالم الإجتماع ، فقد نقول الآن أن عالم الأنثربولوجيا و عالم الإجتماع واحد ، فحينما نقترب مثلا من ظاهرة النمو الإقتصادي و التغير الإجتماعي ، فإننا نجد صدى الأنثربولوجيا و السوسيولوجيا حاضر مع بعضه البعض ، فلم يبقى إذن الأنثربولوجي هو ذلك الذي ينحصر بموضوع المجتمعات البدائية محاولا ان ينقل لنا كتابات اثنوغرافية ، بل أصبح الآن ينافس السوسيولوجي بشكل كبير في دراسة المجتمعات المتقدمة ، كما نلاحظ بدراسة ” المجتمع المحلي الصغير و جماعة القرابة الخ ” ، و مثلا نجد أن بدول العالم الثالث لا توجد هنالك تفرقة بين السوسيولوجيا و الأنثربولوجيا ، فما نراه بدراسات دول العالم الثالث هو خط واحد يلتحم فيه علم الإجتماع و الأنثربولوجيا معا ، و من بين المفاهيم الأساسية للأنثربولوجيا الإجتماعية نجد مثلا المفهوم المحوري هو : مفهوم البناء الإجتماعي و خصوصا مفهوم العرقية الذي سنتناوله الآن ، فما العرقية اذن ؟ و ما علاقتها بديناميكية العلاقات الإجتماعية ؟

1 : العرقية

بالنهايات الأخيرة للستينيات كانت العرقية و لا تزال نقطة للدراسة بالنسبة للأنثربولوجيا الإجتماعية و الثقافية ، و كما هو متعارف بتاريخ الفكر ، بالأنثربولوحيا الإجتماعية مقاربات تمكننا من سبر أغوار الطرق التي يفهم بها العقول العلاقات العرقية أي : ما يميزهم في طريقة كلامهم و تفكريهم عن باقي الجماعات ، و ما يجعل هذه الطريقة للكلام و التفكير محافظ عليها عبر العصور على خلاف غيرها التب تطورت ، إذن فالأنثربولوجيا الإجتماعية ” من حيث إنها علم مقارن ، تدرس كلا الجانبين من الإختلافات و التشابهات بين الظواهر العرقية 1″ ، و هذه العرقية التي لم يعترف بها الكثير من المفكرين كأمثال ماكس فيبر ، الذي يرى بأن العرقية تتنازل في أهميتها و بالنهاية تنمحي نتيجة الحداثة و الفردانية الصناعية ، و التي للأسف تداولت مع أتباعه كحقيقة ، و لكن تم تحطيمها مؤخرا بفعل تكذيبها بتعبير كارل بوبر ، فمثلا لنأخذ على سبيل المثال : النزاعات التي خاضها العديد من الناس بسريلانكا و فيجي مع سكان رواندا و الكونغو و البوسنة ، هذه النزاعات منطقيا كما فسرت بالجرائد و ببعض الأبحاث هي نزاعات عرقية ، و يعود مفهوم العرقية إلى عالم الإجتماع الأمريكي ” ديفيد رايزمان ” فقد كان أول من استعمله 1953 ، و بالستينيات أصبحت ” الجماعات العرقية ” و العرقية من المفاهيم الأساسية و المألوفة بحقل الأنثربولوجية الإجتماعية الناطقة بالإنجليزية ، و مادمنا نتكلم عن العرقية فوجب علينا أيضا التكلم عن مفهوم العنصر ، و مما لا شك فيه ، التمثل الذي يكونه العقل حول مفهوم العنصر ، هو تصنيف سلبي بينما مفهوم العرق نجد أن العقل يربطه بصلة إيجابية ، بمعنى آخر ، العقل الإنساني يتصور العرقية بأنها ” النحن ” ، بينما العنصرية تميل نحو تصنيف ” الهم ” ، مما يجعل العقل يفسر السلوكات و القضايا و المواقف من خلال هذا المفهوم الذي يعبر عن السلبية داخل الدماغ ، و هو العنصر و بذلك يخرج العقل إلى نتيجة أن العنصر سلبي و يجب أن يقصى ، و العكس صحيح بالنسبة لما هو متمثل بالعقل حول العرقية ، فكثيرا ما نسمع بدول العلم الثالث ” أنت ابن بلدتي ، أشم فيك رائحة أهلي ” و بهذا التمايز الخطي الذي لا يلتقي بالثقافات اللامنطقية أو العقول اللامنطقية ، يمكننا القول أن هذه العرقية الذاتية ليست إيجابية كما تراها هذه العقول التي سنعيطيها درجة اللامعقولية في النظرة ، بسبب لا منطقية النظرة ، لأننا كثيرا ما سمعنا بصراع العرقيات ، كالأحداث المروعة مثلا التي وقعت بين يوغسلافيا و رواندا في التسعينيات التي تمخضت عن العرقية و ما يقع أيضا بالجماعات الهامشية ، و هنا يمكننا التسليم بأن العلاقة بين العرقية و العنصر منطقيا ، هي علاقة إلتحام ، فالجماعات العرقية مثلا بتمثلها و بذاكرتها الجماعية أصل مشترك و له صلة بالعنصر ، على سبيل المثال الأمريكي الأسود الذي ينعت باسم الأمريكي ذو أصل إفريقي ، ثم نجد أيضا العرقية لجماعات دينية كالمسلمين مثلا

السوسيو إيكولوجيا

إذا ما عدنا إلى البحوث الميدانية المبكرة التي أجريت على المجتمعات متعددة العرقيات ، من طرف علماء الإجتماع الحضريين و كذلك الأنثربولوجيين الذين عرفوا باسم مدرسة شيكاغو ، على سبيل مثال ” بارك 1950 و هانيرز 1980 ” ، فمن بين الإشكالات التي عارضت ” بارك و أتباعه ” في العشرينيات و الثلاثينيات ، كانت تتمثل في كيفية بقاء الجماعات العرقية متميزة في المدن الأمريكية ، بمعنى أدق كانوا مهتمين بالإستمرارية و التغير في العلاقات العرقية ، فقد إعتبر ” بارك ” المدينة نسق إيكولوجي بفعل ديناميته الداخلية ، و أقر بأن الفرد يمكنه أن يحقق العديد من أهدافه من خلال الشبكة العرقية ، و أن ” المجتمع هو قدر صهر ناجح قليلا أو كثيرا حيث يندمج السكان المتنوعون ، يتثاقفون ، و في النهاية يستوعبون بمعدلات مختلفة و بطرق مختلفة ، اعتمادا على مكانهم في النسقين الإقتصادي السياسي 2 ” ، و قد تكون العوامل التي تسببت في الإتصالات بين الجماعات لتحقق العرقية ، نمو السكان ، إقامة تقنيات الإتصال الحديث التي تسهل التجارة ، إدماج الجماعات الجديدة في النظام الرأسمالي لإنتاج التبادل ، التغير السياسي الذي يدمج الجماعات الجديدة في نظام سياسي واحد ، و الهجرة ، و ما دمنا ذكرنا الإجتماع بين العرقيات و جب علينا الوقوف قليلا لسبر أغوار أفكار أساسية بهذا الموضع ، فمثلا حينما يتقابل فردان للمرة الأولى فإن أولى المعلومات التي يمكن أن يجمعها أحدها عن الآخر هي ” العضوية العرقية ” ، و كل عقل يحمل تمثلات حول العرقيات و بذلك يتصرف مع هذا الغير وفق التمثلات الخلفية أو الأفكار الخلفية التي قيلت حول عرقيته ، فمثلا نجد أن لدى البعض علاقات ودية و البعض علاقات عدائية و البعض علاقات طريفة ، على سبيل المثال ” الكريولي ” ينظر له ككسول و مرح و لا مبال ، و الهندي ينظر له أنه بخيل و غير أمين و دؤوب و المسلم ينظر له أنه متدين و متطرف و غير إجتماعي ، و المورشي و الصيني ينظر له أنه جشع و كادح و الفرانكوموريشي ينظر له أنه متعجرف و منحط و غير ديموقراطي ، هذه التمثلات للعرقية ، تجاوزت حدها فأصبح هناك تمثل للذات أيضا ، كالهندي هو ذلك الحساس و المهتم بعائلته ، و الكوريوليون محب للمتعة و جباش العاطفة و ودود ، و هذه التفسيرات الماكروفيزيائية تؤثر على العقل الذي وجد بجماعة معينة و التي تحافظ على عرقيتها قدرما استطاعت ، سلبيا

منشور سابقاً في : موقع كوة
شارك هذا المقال :
وسوم هذا المقال :

التعليقات 0 تعليق
اكتب تعليق ...