انسحاب "الشيوعي" السوداني ينذر بتفكك "قوى الحرية والتغيير"

انسحاب "الشيوعي" السوداني ينذر بتفكك "قوى الحرية والتغيير"

لم يكن قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني بالانسحاب من قوى الإجماع الوطني ومن قوى الحرية والتغيير مفاجئاً بعد مد وجزر صاحب وجوده في الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية. وكان الحزب أفاد في بيان نشر على صفحته على فايسبوك: "قررت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني انسحاب الحزب من قوى الإجماع الوطني والانسحاب من قوى الحرية والتغيير والعمل مع قوى الثورة والتغيير المرتبطة بقضايا الجماهير وأهداف الثورة وبرامجها. إن الحزب الشيوعي السوداني يختار الوقوف مع الجماهير وقضاياها بدلاً من تضلليها وزرع الآمال الكاذبة لخديعتها".

وأضاف البيان: "لقد ظل الحزب الشيوعي السودانى يدعو لأوسع جبهة لإسقاط النظام السابق وتأسيس نظام مدني ديموقراطي يمر عبر فترة انتقالية تحقق شعارات وأهداف الثورة وتنفذ المواثيق والبرامج المتفق عليها، وبذل الحزب في سبيل تكوين هذه الجبهة التضحيات حتى تكللت المساعي بتكوين قوى الحرية والتغيير كأوسع جبهة في مواجهة الديكتاتورية، وحدد أعلانها ميثاقاً للتغيير. وكان انتصار الشعب في 11 نيسان (أبريل) 2019 وإسقاط رأس النظام، وأستمر التحالف رغم بوادر النزاع ورفض رأي الحزب في عدم التفاوض مع اللجنة الأمنية وعسكر النظام وتمسكه بالحكم المدني الكامل".

موقف الحزب من الحكومة

تباين كبير في مواقف الحزب الشيوعي والذي يعتبر أحد أهم الأحزاب المكونة لقوى الحرية والتغيير تجاه مسار الفترة الانتقالية بدأ عشية التوقيع على الوثيقة الدستورية مع المجلس العسكري حيث دأب "الشيوعي" على توجيه الانتقادات الحادة لشركائه بدعوى خرقهم لقيم ومبادئ ثورة كانون الأول (ديسمبر) التي أطاحت بنظام البشير.

ومعروف أن الحزب الذي قرر من قبل عدم المشاركة في الحكومة الانتقالية على مستوى السلطة التنفيذية المركزية وحكومات الولايات، أعلن رفضه من البداية للاتفاق الدستوري مع المجلس العسكري المنحل، معتبراً أنه كرّس لهيمنة العسكر بوجود 5 منهم في مجلس السيادة، ولم تسلم أيضاً اتفاقية السلام التي وُقعت في جوبا، عاصمة الجنوب مع الجبهة الثورية من انتقاده حيث وصفها بالقاصرة عن تلبية طموح أصحاب المصلحة والسودان.

وشن الحزب أيضاً هجوماً ضد موقف بعض الدول من الثورة السودانية قائلاً إن "شعارات (ديسمبر) أرعبت دولاً، لذلك اتجهت للتآمر على الانتفاضة، فاوقفت دعمهما للسودان. كما هاجم أيضاً مسألة التطبيع مع إسرائيل واعتبره انقلاباً على ثوابت الشعب السوداني تجاه القضية الفلسطينية.

مآلات الانسحاب

رأى عدد من المراقبين والخبراء في الأحزاب السودانية أن الحزب الشيوعي من أكثر الأحزاب التي تجيد المراوغات السياسية، ويحاول دائماً أن يظهر بصورة درامية محاولاً تغطية حجمه المتواضع وضعفه الحزبي أمام الأحزاب الأخرى ذات الوزن الجماهيري.

وقال الكاتب الصحافي والمحلل السياسي صادق المعتصم لـ"النهار العربي" عن مآلات الانسحاب، إنه بالرجوع إلى الوراء قليلاً سنجد أن هناك اختلافات جوهرية بين الحزب الشيوعي وبقية الأحزاب المكونة للائتلاف الحاكم منذ أيام معارضتها للنظام السابق ومع عدد من الأحزاب الكبيرة كـ"حزب الأمة" و"الحزب السوداني" واتهامهما بالتحالف مع محاور إقليمية مختلفة، وهذا ما أدى إلى هشاشة الائتلاف، متوقعاً تفتته في أي وقت.

وأضاف المعتصم، أن "الحزب الشيوعي" كسب من اللعب منفرداً، لأنه اتخذ قراراً يتسق ومواقفه فهو دائم الانتقاد للحكومة وللحاضنة السياسية، ما كان يطرح عدداً من علامات الاستفهام في تناقض وجوده في الائتلاف الحاكم وانتقاده له في الوقت ذاته. والجديد في الأمر الآن هو أن الحزب انسحب حتى من الكتلة التي كان تحت مظلتها وهي قوى الإجماع الوطني وهو أحد مؤسسيها، وهو أمر بالغ الغرابة وربما يفسر انسحابه ما حدث لحليفه في الكتلة وهو "حزب البعث العربي الاشتراكي" الذي حظي بعدد من المناصب في الحكومة في موقف يتناقض مع موقفه.

وتابع المعتصم، أن الحزب نفى في أوقات مختلفة أن يكون له أي كوادر تسلّمت وزارات او إدارات في الحكومة، ولكن الملاحظ وجود عدد من الكوادر التي تتبع للحزب موجودة في هذه المواقع وبالتالي الموقف الأخلاقي يقود الي انسحابها.

الموقف السياسي عموماً سيشهد تغيراً كبيراً، و"الشيوعي" لن يخرج لوحده فقد تبعه حزب البعث، جناح يحي الحسين، وربما يتشكل تكتل سياسي خارج "الحرية والتغيير" أو إعادة هيكلة لـ"الحرية والتغيير" بدخول لاعب جديد وهي الأطراف الموقعة على السلام. والخلاصة أن المشهد السياسي سيصبح أكثر انسجاماً ودعماً للحكومة وهذا يصب في مصلحة الوطن.

منشور سابقاً في : النهار
شارك هذا المقال :

التعليقات 0 تعليق
اكتب تعليق ...